جون فرانسوا بريان.
الفصل ١ : مقدمة.
" تفاؤلي يستند إلى يقين إنهيار هذه الحضارة تشاؤمي من كل ما تفعل لِحذبنا في سقوطها ".
الفصل ٢ : تدمير المحيط. " يا له من زمان مريب حيث يقود السفهاء فيه العمي ". ويليام شكسبير.
العبودية الحديثة هي عبودية طوعية، مقبولة من طرف حشد رقيق يزحف على سطح الأرض. يشترون بأنفسهم كل البضائع التي تستعبدهم كل يوم أكثر. ينهكون من الركض وراء عمل يسلب إرادتهم كل مرة أكثر، يتكرم عليهم عليهم به، إذا كانوا عُقلاء بقدر الكفاية. هم يختارون الأسياد الذين يخدمون. حتى تتحقق هذه التراجيدية الممزوجة بالعبثية، توجب أولا نزع الوعي بالإستغلال من هذه الطبقة. هذه هي الحداثة الغريبة لحقبتنا هاته. على عكس عبيد العصور القديمة، عبيد الأرض في القرون الوسطى و عمال أولى الثورات الصناعية، نحن اليوم أمام طبقة مستعبدة كليا دون أي إدراك بذالك، أو بالأحرى، لا تريد الوعي به. بالتالي هم يجهلون أن الثورة هي رد الفعل الوحيد، الشرعي، للمستغَلين. على عكس هذا، يتقبلون دون أي نقاشالحياة البئيسة التي بُنِيَتْ لهم. التنازل و الخضوع هما منبع تعاستهم. هذا هو الحلم الردئ لهؤلاء العبيد الذين لا يريدون سوى الإستسلام في الرقصة الجنائزية لنظام السلب. الإظطهاد يتطور بنشر كل أشكال الخداع التي تسمح بإخفاء وَضعِيَتُنا، عُبُودِيَتُنا. إظهار الحقيقة كيف هي حقا، لا كيف هي مُقَدَمة من طرف الحكم تعد التدمير الأصيل. وحدَها الحقيقة ثورية.
الفصل ٣ : التهيئة العمرانية و السكن. التخطيط العمراني هو إمتلاك المحيط الطبيعي و البشري من طرف الرأسمالية التي تنمو و تزدهر بمنطق السيطرة المطلقة. هذا التخطيط يستطيع و يجب عليه، الآن، إعادة إعتبار كل الفضاء كديكوره. مجتمع المهرجان. ڤي دوبورد.
كلما يشيدوا و يبنوا عالمهم بقوة هذا العمل المُستَلِبْ، ديكور هذا العالم يتحول إلى سجن يستوجب عليهم العيش فيه. عالم دنيء. لا طعم له و لا رائحة. يحمل معه بؤس النمط السائد للإنتاج. هذا الديكور في بناء دائم. لا شئ فيه مستقر. ما يبرر الترميم الدائم في إصلاح الفضاء من حولنا هو فقدان الذاكرة، المعمم، و إنعدام الأمن الذي يستوجب أن يعيش فيه السكان. هي إعادة كل شئ على حسب صورة النظام : يصبح العالم كل يوم أكثر قذارة و ضجة، مثل المصنع. كل جزء، شبر، من هذا العالم ملكية دولة أو خاص. تتجسد هذه السرقة الإجتماعية، الهيمنة الخاصة على الأرض، في الجدران، الأسوار، الحوجز و الحدود… تلك هي الآثار الظاهرة لهذا الفصل الذي يشتاح كل شئ. لكن في نفس الوقت، توحيد الفضاء من أجل المصالح النقدية هو الهدف الأول لعصرنا الحزين. يجب أن يتحول العالم إلى طريق سريع، شاسع، مبسط إلى أدنى حد لتسهيل نقل البضائع. كل عائق، طبيعي أو بشري يجب أن يُدَمر. المحيط و المسكن الذي تتراكم فيه هذه الكتلة المستعبدة هو، لحد ما، صورة حياة هذه الكتلة : يشبه أقفاصا، سجونا، كهوفا. لكن على عكس العبيد أو السجناء، المستغل في العصر الحديث يدفع ثمن قفصه.
" ليس الإنسان و إنما العالم الذي أصبح غير عادي ". أنطونا آرطو.
الفصل ٤ : السلعة. " تظهر السلعة في البداية كشئ تافه يفهم ببساطة. و قد أظهرت تحليلاتنا أنه على العكس أمر معقد للغاية، ذو دقة ميتافيزيقية و لاهوتية ". رأس المال. كارل ماركس.
و في هذا البيت الضيق و القذر، يكدسون أكواما من السلع الجديدة، التي حسب الصفحات الإشهارية المتواجدة في كل مكان، توفر لهم السعادة و الوفاء. لكن كلما كدسوا سلعا، كلما إبتعدت السعادة عنهم. " ما فائدة أن يكسب رجل كل شئ إذا إفتقد روحه ". مارك. ٨، ٣٦. رأس المال. كارل ماركس. البضائع و السلع، ذات إيديوليجية بديهيا، تسلب من العامل عمله و من المستهلك حياته. في النظام الإقتصادي المهيمن لم يعد الطلب من يحدد العرض و لكن العرض من يحدد الطلب. و هكذا، بشكل دوري، تخلق إحتياجات جديدة تعتبر بسرعة كحاجات حيوية بالنسبة للغاية العظمى من الناس ؛ في البداية المذياع، ثم السيارة، التلفاز، الكمبيوتر و الآن الهاتف النقال. كل ةذه السلع، موزعة بعدد هائل في فترة زمنية قصيرة، تغير جذريا العلاقات الإجتماعية : من جهة تعزل الإنسان عن قرينه و من جهة أخرى توزع المعلومات الطاغية لهذا النظام. الأشياء التي نملكها تنتهي بامتلاكنا.
الفصل ٥ : "ما هو غذاء لقوم، سم لآخر" لكن حينما يتغدى العبد الحديث، تظهر بوضوح الحالة اليائسة التي يتواجد فيها. لديه كل مرة وقت أقل لإعداد الطعام و إبتلاعه ما يقوده إلى إستهلاك منتوجات الصناعة الزراعة ـ الكيماوية. يتيه في المحلات و "السوبر ماركات" في البحث عن أشياء مزيفة يقدمها له مجتمع الوفرة الكاذبة. مرة أخرى، من الخيار ليس لديه إلى الوهم. وفرة هذه المواد لا تخفي تدهورها و تزييفها. إنه لمن الواضح و المعروف أنها كائنات حية معدلة وراثيا، مزيج من الأصباغ و المواد الحافظة، المبيدات و الهرمونات اختراعات للحداثة. الإشباع الفوري هو القاعدة في النمط السائد للتغذية كما هو القاعدة على كل أشكال الإستهلاك. العواقب واضحة، ظاهرة لمن يريد التمعن في طريقة التغذية هذه. لكن ضد الحرمان الذي تعاني منه الاكثرية، يفرح الرجل الغربي بوضعيته و با ستهلاكه الامعقول. حتى الآن، الفقر موجود في كل مكان حيث يوجد مجتمع السوق الشمولية. القلة هي الوجه الآخر للوفرة الكاذبة. وفي النظام الذي ينص على عدم المساواة كمعيار للتقدم ، حتى لو كان إنتاج الزراعة الكيماوية يكفي لإطعام سكان العالم بأجمعه، ينبغي أن لا يختفي الجوع أبدا. "انهم يعتقدون ان الرجل، الخاطئ بين جميع أنواع الكائنات، يهيمن على الخلق. خلقت كل المخلوقات الأخرى فقط لاعطائه الغذاء والفراء، كي تعذب، تباد. " اسحاق با شيڤيس سنجر النتيجة الأخرى من للوفرة الغذائية الخاطئة هو التعميم من معسكرات الاعتقال والقتل الجماعي، الوحشي، للكائنات المستخدمة لإطعام العبيد. هناك يكمن جوهر النمط السائد للإنتاج. الحياة و الإنسانية لا تقف ضد رغبة الربح عند البعض.
الفصل ٦ : تدمير البيئة "إنه لأمر محزن أن نتصور أن الطبيعة تتحدث والبشرية لا تستمع. " فيكتور هوغو
نهب موارد الكوكب ، إنتاج الطاقة أو البضائع بفائض، المكدسات وغيرها من نفايات الاستهلاك التفاخري يؤثر بشكل خطير على بقاء كوكبنا الكائنات الحية التي تعيش عليه. بل لإطلاق حرية الرأسمالية الجامحة ، يجب أن لا يتوقف النمو أبدا. يجب إنتاج وإنتاج وإعادة إنتاج أكثر. و هم نفس الملوثين الذين يأتون اليوم باسم المنقذ المحتمل لهذا الكوكب. هؤلاء البلهاء المدعومين من قبل الشركات المتعددة الجنسيات يحاولون إقناعنا بأن تغيير بسيط في نمط حياتنا سيكون كافيا لانقاذ الكوكب من الكارثة. و أثناء إشعارنا بالذنب ، يستمرون في تلويث بيئتنا وعقولنا. يتم أَخْذ هذه شبه النظريات البيئية الفقيرة لترديدها بين كل السياسيين الفاسدين في سياق الشعارات الإشهارية. لكنهم يحرصون على عدم اقتراح تغيير جذري في نظام الإنتاج. هذا هو كما هو الحال دائما، تغيير بعض التفاصيل فقط حتى يمكن أن يبقى كل شيء كما كان من قبل.
الفصل ٧ : العمل العمل ، من اللاتينية "پَالْيُووم" ثلاثة أوتاد ، أداة تعذيب.
ولكن للدخول في جولة جديدة من الاستهلاك الجنوني ، فإنه ينبغي المال و لإقتناء المال ، يجب العمل ، وهذا يعني بيع الإنسان لفسه. النظام السائد جعل العمل قيمته الرئيسية. ويجب على العبيد العمل بشكل متزايد لإئتمان دفع ثمن حياتهم البائسة. يَنكَهُون في العمل ، يفقدون معظم قواهم الحيوية ويعانون من أسوأ الإهانات. يقضون حياتهم كلها لعمل ممل ومتعب لصالح أقلية. إختراع البطالة الحديثة حاضرة لإخافتهم ودفعهم باستمرار لشكر الحكم و الحكام على كرمهم. ماذا يمكن أن يفعلوا بدون هذا التعذيب، هذا العمل؟ هي أنشطة إستعبادية يتم تقديمها هذا على أنها "تحرير". يا له من إنحطاط، يا له من بؤس ! دائما مَضغُوط عليهم ومُسْتَعْجَلون، بالساعة أوبِالسَّوط ، يَتِمُ إِحتِساب كل حركة لهذا العبيد لزيادة الإنتاج و المردودية. تنظيم العمل بطريقة عِلمِية هو أساس إنتزاع من العمال، كلا من ثمار عملهم و أيضا الوقت الذي يقضونه في الانتاج الآلي للسلع أو الخدمات. هناك خلط بين دور العامل مع أي جهاز في المصانع ،أو مع أي كمبيوتر في الإدارات. الوقت المار مقابِل راتب لا يُعَوَضْ . على هذا السياق، لكل عامل يتم تعيين مهمة تكرارية ، سواء عقلية أو جسدية. هذا يجعله متخصص في حقل معين من الإنتاج. ينعكس هذا التخصص المتواجد على مستوى جميع أنحاء العالم كجزء من التقسيم الدولي للعمل. نبتكر في اوروبا ، ننتج في آسيا ويموت في أفريقيا.
الفصل ٨ : إستعمار جميع قطاعات الحياة. "هذا هو الرجل بكامله مُكيَف وِفق سلوك إنتاجي من خلال تنظيم العمل ، وخارج المصنع فإنه يحتفظ بنفس الجلد و بنفس العقل. " كريستوف ديجور
كان من الممكن للرقيق الحديث الإقتناع بالعبودية في عمله فقط ، ولكن بانتشار و استعمار نظام الإنتاج جميع مجالات الحياة ، يُضِيعُ المُسَيْطَرُ عَلَيه وقته في الترفيه و العطلات المُنَظَمة. لا تنجو أي لحظة من يومياته من قبضة النظام. غَزَى النظام كل لحظة من حياته. هو رقيق بدوام كامل، ٢٤ ساعة على ٢٤ ساعة.
الفصل ٩ : الطب التجاري. "الطب يقتل لفترة أطول. " بلوتارك
التدهور العام للبيئة الخاص به ، للهواء الذي يتنفسه والطعام الذي يأكله ، الإرهاق بسبب ظروف العمل وجميع نواحي حياته الإجتماعية ، تشكل مصدرالأمراض الجديدة التي يعاني منها الرق الحديث. هو مريض من حالة العبد الذليل التي يعيشها ولا يمكن لأي طب التغلب على هذا الوباء.لا يبقى إلا التحرير الشامل من الوضعية التي يعيش فيها كالسجين الذي يسمح للرقيق الحديث التحرر من المعاناة. الطب الغربي يعرف علاجا وحيدا ضد الشرور التي يعاني منها الرقيق الحديث : البتر. القطع. على هذا الأساس يستعمل الطب التجاري العلاج الكيميائي، الجراحة أو المضادات الحيوية كي يتمكن من علاج المرضى. نعالج عواقب الأذى دون البحث عن أسبابه. هذا أمر مفهوم لأنه يفسر: هذا البحث سوف يؤدي حتما إلى إدانة التنظيم الاجتماعي في كليته. تماما كما حول تفاصيل عالمنا إلى سلع، هذا النظام الحالي جعل أجسادنا سلعة ، موضوع دراسة وإختبارات مُسَلَمْ إلى المتدربين السحرة في سوق الطب والبيولوجيا الجزيئية . وأسياد العالم مستعدون لإصدار بَراءَة الحي. التسلسل الكامل للحمض النووي للجينوم البشري هو نقطة انطلاق لاستراتيجية جديدة تنفذ من قبل الحكم. الغرض من فك الشفرات الوراثية هوتوسيع أشكال الهيمنة والسيطرة.
جسدنا أيضا ، وبعد أشياء كثيرة أخرى ، قد أفلت منا.
الفصل ١٠ : الطاعة كطبيعة ثانية. "بالكثير من الطاعة ، نحصل على الخضوع كرد فعل. " مجهول.
أفضل الأشياء في حياته تفلت منه دون أن يبدي أي مقاومة لأنه تعود الطاعة و من الأبد. أصبحت الطاعة عنده طبيعة ثانية. حتى أنه يطيع دون معرفة السبب ، لمجرد أنه يعرف أنه يجب أن يطيع. طاعة ، إنتاج وإستهلاك ، وهذا هو الثلاثي المهيمن على حياته. انه يطيع والديه ومعلميه ، رؤسائه ، وملاكه ، وتجاره. انه يطيع القانون قوات الأمن. انه يطيع جميع القوى لأنه لا يستطيع أن يفعل أي شيء آخر. العصيان يخيفه أكثر من أي شيء لأن العصيان هو الخطر ، المغامرة، التغيير. ولكن مثلما يُذْعَرُ الطفل عندما يفقد رؤية والديه ، يتيه الرقيق الحديث عند غياب النظام الذي صنعه. إذن يواصل الطاعة. الخوف هو الذي يجعلنا عبيدا ويبقينا على هذا الحالة. ننحني أمام حكام العالم ، نَقْبَل، بواسطة الخوف، حياة الذل و البؤس. لدينا قوة العدد ضد الأقليات الحاكمة. قوتهم ، لا تَكْمُنْ في الشرطة التي يملكوها ولكن في مُوافَقتِنا و رِضانا بهذا الوضع. نبرر خذولنا أمام المواجهة الشرعية ضد القوى التي تضطهدنا بخطاب ملئ بإنسانية أخلاقية. نَبْذ العنف الثوري متجذر في أذهان أولئك الذين يعارضون النظام بناءا عن القيم التي يدريسها لهم هذا النظام. لكن لا يتردد هذا النظام في استخدام العنف عندما يتعلق الأمر بالحِفاظ على هيمنته.
الفصل ١١ : القمع والرقابة "في ظل حكومة تسجن ظلما ، حتى الرجل الصالح مقره أيضا في السجن. " العصيان المدني، هنري ديفيد ثورو
حتى الآن لا يزال هناك أفراد يتواجدون خارج نطاق سيطرة الحكم على الوعي. لكنهم تحت المراقبة. يتم التعامل مع أي شكل من أشكال التمرد أو المقاومة كنشاط منحرف أو إرهابي. الحرية موجودة فقط بالنسبة لأولئك الذين يدافعون عن الضروريات التجارية. المعارضة الحقيقية للنظام السائد هي الآن غير قانونية تماما. لهؤلاء المعارضين ، القمع هو القاعدة المستعملة. صَمت الغالبية من العبيد ضد هذا القمع يجد تبرريه في الرغبة الإعلامية و السياسية لإنكار الصراع القائم في المجتمع الحقيقي.
الفصل ١٢ : المال. واضاف "ماكنا نفعله محبة لله ، فإنه الآن لحب المال، أي من أجل الذي يعطي أعلى شعور بالسلطة وحسن الضمير ". الفجر، نيتش.
مثل كل الشعوب المضطهدة في التاريخ ، الرقيق الحديث يحتاج إلى صوفية وآلهة لتخدير الشر الذي يعذبه والمعاناة التي تسيطرعليه. ولكن هذا الإله الجديد، الذي ألقى له روحه ، ليس سوى الفراغ. قطعة من الورق، عدد لا معنى له سوى أن الجميع قرر أن يعطيه إياه. لهذا الإله الجديد، هو يَدْرُس، يعمل، يحارب و يَبِيعُ نفسه. لهذا الإله الجديد تخلى عن أية قيمة، واسْتَعَدَ لِفِعْلِ أي شيء. يعتقد أن جمع الكثير من المال يحرره من القيود التي تحيط به. كما لو أن المُلْكِية مرتبطة بالحرية. التَحَرُر هو زُهد يَنْتُجْ بضبط النفس. أيضا، التحرر هو رغبة والتزام يتجسد بالأفعال. هو في الكيان لا في المُلْكِية. لكن يجب أولاء تقرير عدم الخدمة و عدم الطاعة. يجب قبل ذلك القدرة على كسرعادة يبدو أن لا أحد يجرؤ على التشكيك فيها.
الفصل١٣ : لا بديل للتنظيم الاجتماعي السائد. "أكتا إست فابولا" (عبارة لاتينية) تم لعب المسرحية
الرقيق الحديث مقتنع أنه لا يوجد بديل لهذه التنظيم العالمي الحالي. إستقال لهذه الحياة لأنه يعتقد أنه لا يمكن أن يَكُونَ غيرها. هذا هو المكان الذي تكمن فيه قوة الهيمنة الحالية : إبقاء الوهم بأن النظام الذي استعمر سطح الأرض كله باقي حتى نهاية التاريخ. جعل الطبقة المستعبدة تعتقد أن التأقلم مع الإيديوليجية السائدة هو التأقلم مع العالم كما هوالآن و كما كان دائما. الحلم بعالم آخر أصبح جريمة تدان بالاجماع من قبل جميع وسائل الاعلام وجميع القوى الحاكمة. المجرم هو في الواقع من يساهم، عن وعي أو غير وعي ، في جنون التنظيم الاجتماعي السائد. ليس هناك أكبر من جنون النظام الحالي.
الفصل ١٤ : الصورة. "وإلا فإنه أبلغ إلى مسامعك ، أيها الملك ، إن آلهتكم ليست تلك التي نَخْدُمُهَا ، والصورة الذهبية التي نَصَبْتَهَا ، لن نَعبُدَها. " العهد القديم ، دانيال 3 ، 18
أمام خراب العالم الحقيقي، على النظام إستِعمار، و بشكل إجمالي، وعي العبيد. هكذا، في النظام السائد، يَسْبِق الردع و الصَرف قِوى القمع و، من الطفولة المبكرة، يُكْمِلْ تحضير و تدريب العبيد. ينبغي أن يَنسُوا وضعهم الذليل، سِجنَهُم وحياتهم البائسة. يكفي إلقاء مجرد نظرة على هذا الحشد المُنَوَم أمام الشاشات التي تصاحب حياتِه اليومية. يخادعون ضيقهم و عدم رضاهم الدائم بإنعكاس مُعَدَل، لحياة وهمية، مبنية على المال، المجد والمغامرة. لكن أحلامهم ليست إلا مُحْزِنَة مِثل حياتهم البائسة. هناك صور للجميع ، في كل مكان ، تحمل في طياتها رسائل إيديولوجية المجتمع الحديث و هي أداة توحيد ودعاية. صور تنمو بزيادة تَجْرِيد الرَجل من عَالَمِه وحياته. الطفل هو الهدف الأساسي لهذه الصور لإستوجاب خنق الحرية في مهدها. يجب جعلهم أغبياء وحرمانهم من أي شكل من أشكال المناقشة والنقد. كل هذا يجري على أحسن حال مع الإشراك المدهش للآباء الذين لا يبحثون عن أي مقاومة حتى أمام قوة النيران المشتركة لجميع وسائل الاتصال الحديثة. يشترون بأنفسهم جميع السلع المطلوبة للاستعباد أبنائهم. أنهم يستقيلون من تعليم أبنائهم ويسلمونه لنظام التَخَبُّل والحقارة. هناك صور لجميع الأعمار وجميع الطبقات الاجتماعية. العبيد الحديثة تُخْلِط هذه الصور مع الثقافة وفي بعض الأحيان تخلطها حتى مع الفن. الصور، تَستَخدِم معظم الغرائز الدنيئة للتوصل إلى بيع مخزونات السلع. وهي المرأة، مرة أخرى، رق مرتين في هذا المجتمع الحاضر، التي تدفع الثمن غاليا. حُوِلَت إلى مجرد مادة إستهلاكية. حتى التمرد أصبح صورة يجري بيعها للمساعدة في تدمير قدرتها التخريبية. الصورة تبقى دائما الشكل من أشكال الاتصال الأسهل والأكثر فَعَالِية. يتم بناء نماذج، تجريد الجماهيرمن أي قدرة تَسَاؤُل، الكذب عليهم، خَلْق إحباط و كَبْت. يتم توزيع إيديولوجية السوق بواسطة الصور لأنها لا تزال وستحافض دائما على نفس الهدف : بيع، منتجات و أنماط معيشية، سلوك أوسلع، لا يهم المحتوى، يجب البيع.
الفصل ١٥ : وسائل الترفيه. "التلفزيون يُحَوِلْ إلى أغبياء الذين يُشَاهِدُونَه ، لا الذين يَصْنُعونَه. " باتريك بوافر دارفور.
هؤلاء الرجال الفقراء يُرَوِحُونَ عن أَنْفُسِهِمْ، ولكن هو مجرد ترفيه، إلهاء ضد الأذى الحقيقي الذي يُثْقِلُ كَاهِلَهُمْ. سَمَحُوا لآخرين القيام بأي شيء في حَيَاتِهِم ويَدَعُونَ إلإفتخار بهذا. أنها محاولة لإظهار إرتياحِهم ولكن لا أحد مُغَفَل. لا يتمكنون حتى من خداع أنفسهم عندما يتواجدون أمام إنعكاس مِرآة. لذا فهم يضيعون وقتهم أمام حَمْقَى من المفترض أن يضحكوهم أو يغنون لهم، يجعلونهم يَبْكُون أو يَحْلُمُون. وتُحَاكَى من خلال النجاحات والاخفاقات الرياضية، عبر وسائل الاعلام، القوة والانتصارات التي لم تعد تعيشها العبيد الحديثة في حياتهم اليومية. إستياؤهم يقودهم إلى العيش بشكل مفوض أمام جهاز التلفزيون. بينما اشترى أباطرة روما القديمة خضوع الناس بالخبز والسيرك ، فبالتَرفِيه والإستهلاك، اليوم، يُشْتَرى صَمْتُ العَبِيد.
الفصل ١٦ : اللغة. "ونعتقد أننا نُسَيْطِر على الكلمات ، ولكن الكلمات هي التي تسيطر علينا. " آلان ري
إن الهيمنة على الوِجْدَان يمر أساسا عن طريق الإستخدام الفاسد للغة من خلال الطبقة المهيمنة اجتماعيا واقتصاديا. كمَالِك لجميع وسائل الاتصالات، ينشر الحُكم إيديولوجية السوق من خلال التعريف الثَابت، الجُزئي والمُتحيزللكلمات. تُرَّد العبارات على أنها محايدة وتعاريفها أمرمفروغ منه. ولكن تحت سيطرة السلطة ، تُشير الغة دائما إلى شيء آخر، بعيد عن الحياة الحقيقية. هي في الأول لغة إستقالة و شُعُور بالعجز، لغة القبول اللامبال أمام الأشياء كما هي وكما يجب أن تَبْقَى. الكلمات تعمل نيابة عن المنظمة المهيمنة على الحياة، وبالتالي فإن إستخدام لغة الحُكم يَحكُمُ علينا بالعجز. مشكلة اللغة مركزية في النضال من أجل التحرر الإنساني. انها ليست شكلا من أشكال الهيمنة أي أنها تضاف إلى أخرى، بل هي قلب مشروع السيطرة في النظام التجاري الشامل. فمن خلال إستعادة الغة وبالتالي التواصل الحقيقي بين الناس فإن إحتمال حصول تغيير جذري يظهرمن جديد. هكذا يلتقي المشروع الثوري مع المشروع الشِعْرِي. في الغليان الشعبي ، تؤخذ الكلمة وتخترع من جديد من قبل الجماعات الموسعة. العفوية الإبداعية تستولي على كل واحد ثم تَجمَعُنا.
الفصل ١٧ : وهم التصويت والديمقراطية البرلمانية. "التصويت، هو تنازل. " إلِزي ريكلوس
ومع ذلك ، ما زال العبيد الحديث يفكر كأنه مواطن. يَظُن أنهُ يُصَوِت ويقررمن الذي ينبغي أن يقوم بأعماله. كما لوأنه لايزال يَمْلِكُ الخِيار. في الحقيقة، لم يبقى لديهم إلا وهم. هل ما زلتم تعتقدون حقا أن هناك اختلافا أساسيا عند إختيار المجتمع الذي نريد أن نعيش فيه، بين الحزب الإشتراكي )اليسار( والإتحاد من أجل حركة شعبية )اليمين(، في فرنسا، وبين الديمقراطيين والجمهوريين في الولايات المتحدة، وبين العمال والمحافظين في المملكة المتحدة ؟ لا توجد معارضة والأحزاب السياسية المهيمنة متفقة على الأهم وهو الحفاظ على هذا المجتمع التجاري. لا يوجد حزب سياسي يمكن أن يصل إلى السلطة و هو يشكك في عقيدة السوق. إذا هي نفس الأحزاب التي تحتكر وسائل الإعلام بالتواطؤ معها. تتشاحن على نقاط تفاصيل دون أهمية على أمل أن يبقى كل شيء في مكانه. هم يتنافسون لمعرفة من سيشغل المقاعد المقدمة من قبل البرلمانية التجارية. يَتِمُ تَرْحِيل هذه المشاحنات الفقيرة عن طريق وسائل الاعلام من أجل إخفاء النقاش الحقيقي بشأن إختيار المجتمع الذي نريد أن نعيش فيه. المظاهر والتفاهات تهيمن على حساب مدى جدوى و عمق صراع الأفكار. كل هذا لا يُشبِه، لا من قريب و لا من بعيد، الديمقراطية. تعريف الديمقراطية الحقيقية هو أولا وقبل كل شيء المشاركة الضخمة للمواطنين في شؤون المدينة. هي مشاركة مباشرة وتشاركية. تجد تعبيرها الأكثر أصالة في مجلس الشعب والحوار الجاري بشأن تنظيم حياة المجتمع. الشكل التمثيلي و البرلماني الذي يغتصب إسم الديمقراطية يُقَصِر قدرة المواطنين إلى التصويت، أي إلى لا شيء، لأن الإختيار بين الرمادي الفاتح الرمادي الداكن ليس خيارا حقيقيا. تحتجز المقاعد البرلمانية من قبل الغالبية الساحقة من الطبقة المسيطرة اقتصاديا ، سواء من اليمين أو من المزعوم يسار ديموقراطي إجتماعي. السلطة ليست للإستولاء أو الكسب بل هي للتدمير. طبيعتها الإستبداد ، سواء كانت ممارسة من قبل ملك، ديكتاتور أو رئيس منتخب. الفارق الوحيد في حالة "الديمقراطية" البرلمانية، أن العبيد يَتَوَهَمُون أنهم يختارون الوَلِي الذي يَتَوجَبُ عليهِم خِدمَتُه. التصويت جعلهم شركاء في البطش الذي يضطهدهم. ليسوا عبيدا لأن هناك سادة ولكن هناك سادة لأنهم اختاروا البقاء كعبيد.
الفصل ١٨ : النظام التجاري الشمولي. "الطبيعة لم تخلق لا سادة و لا عبيد لا أريد لا أعطاء ولا تلقي قوانين. " دوني ديدرو
يُعَرَّفْ النِظام السائِد إذا بكُلِيَةِ وُجُود إيديولوجيته التجارية. هي تحتل كل الفضاء وجميع قطاعات الحياة. لا تَقُول أكثر من "أنتِجوا، بِيعو، إستهلِكو وكدِسوا الأشياء !" تحول و تنقص جميع العلاقات الإنسانية إلى مجرد علاقات تبادل تجاري و تعتبر كَوكَبَنَا كَمجرد سِلعَة. واجب تَفْرِضُ عَلَيْنَا عَمَل الرقِيق. تعترف بحق واحد هو الحق في الملكية الخاصة. الإله الواحد الذي ترفع رايته هو المال. إحتِكَار المَظْاهَر كُلِي. يظهر فقط الرجال والخطابات المؤيدة للإيديولوجية المهيمنة. انتقادات هذا العالم مغمورة في تيار وسائل الاعلام التي تحدد ما هو صواب وما هو خطأ، ما نراه وما لا نراه. كلية وجود الإيديولوجية، عِبَادَة المال ، إحتكار المظاهِر، الحزب الواحد تحت غطاء التعددية البرلمانية، غياب معارضة ظاهرة، القمع تحت جميع أشكاله، رغبة تحويل الانسان والعالم. هذا هو الوجه الحقيقي للشمولية الحديثة التي تُلَقَب "الديمقراطية الليبرالية" و التي يجب علينا أن نناديها الآن بإسمها الحقيقي : النظام التجاري الشمولي. الرجل والمجتمع وكوكبنا بأسره في خدمة هذه الإيديولوجية. أنجز هذا النظام التجاري الشمولي ما لم يتمكن من تحقيقه أي نظام إستبدادي من قبل : توحيد العالم حسب صورته. اليوم، لم يعد هناك أي منفى ممكن.
|